اتخذت الإدارة الأميركية الجديدة خطة إنقاذ لتعافي وإنعاش الاقتصاد من جديد نتيجة الأزمة المالية وجائحة كورونا، وذلك بزيادة الإنفاق ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتقليل الفائدة وتسهيل الإجراءات لها من خلال خطة إنقاذ بلغت حوالي ألف وتسعمئة مليار دولار، وهي الخطة التي ستولد عائدات ضريبية كبيرة لاحقا، فالاقتصاد هو شريان وأساس قوة أي بلد وعمودها الرئيسي في مواجهة أي أزمة كانت حتى في الولايات المتحدة التي تمتلك أكبر اقتصاد في العالم.
فلقد رأينا كيف دمرت الجائحة بعض قطاعات الاقتصاد في كثير من الدول، وكيف أدى ذلك إلى إغلاق شركات ومؤسسات ومحلات تجارية وصناعية وتسريح عمال، وتأثر الإيرادات المالية، وغيره في معظم دول العالم، وكذلك في السلطنة.
لذا الأمر يتطلب دراسة وإعادة النظر في الوضع الاقتصادي في البلاد وفي القرارات التي تعيق تطوره، وتؤثر عليه من قريب أو بعيد، وعلينا أن نستوعب أن الوضع بشكل عام ما زال مقلقا، ويحتاج إعادة النظر في كيفية الحفاظ على اقتصادنا الوطني ونموه لمواجهة الأزمات والتنافس العالمي في استقطاب الشركات والاستثمار ورجال الأعمال، وربما نحتاج إلى إقرار حزمة من القرارات والتسهيلات الضخمة لتعزيز هذا التوجُّه ولزيادة متانة الاقتصاد الوطني.
فالتجديد والتطوير وفتح السوق المحلي حاجتان ملحتان اليوم من أجل حياة آمنة ورفاهية للمجتمع العماني، ولتحقيق هذا الهدف، لا بد من اقتصاد مستدام وقوي وحراك داخلي وخارجي، واستغلال للموانئ والمطارات وثروات البلد المتعددة، فالدول لا يمكن لها أن تنمو وتبقى قوية في مواجهة الأزمات دون شريانها الرئيسي القوي المعتمد على قوة الاقتصاد، الذي يُعد المورد الرئيسي لموازنة الدولة والتوظيف.
فالبيئة الخصبة لرواد الأعمال والمستثمرين، والموقع الاستراتيجي، وتطوير الجهاز القضائي والإداري وتعديل وتحديث بعض القوانين، وترسيخ مبادئ العدالة والشفافية، وحماية الحقوق ومواكبة العولمة والانفتاح على الآخرين والتسهيلات ورفع مستوى النزاهة، وغيره سيسهم في جعل السلطنة بوابة لوجستية لكثير من المشاريع والصناعات الثقيلة وغيرها.
لقد قام جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وأحدث نقلة إدارية وهيكلية خلال الفترة الماضية، واليوم ننتظر قرارات في الجانب الاقتصادي والاستثماري من خلال مزيد من الانفتاح والتطوير في هذا الجانب الحيوي المهم، وإيجاد أجواء جاذبة لرجال الأعمال والاقتصاد، وتسهيل الإجراءات الضرورية لهم.
فتغير مفهوم الاعتماد على النفط يتطلب تنويع الاقتصاد الوطني بشكل حقيقي، وتوفير الحوافز للقطاع الخاص، والاندماج بصورة أقوى مع الأسواق العالمية، وتعزيز موقع السلطنة كوجهة سياحية واستثمارية رائدة وآمنة، وتسهيل ممارسة الأعمال بكل حرية دون تعقيد، وتمكين القطاع الخاص من تأدية دوره في تحقيق النمو الاقتصادي، واستقطاب رواد الأعمال والشركات والمصانع العالمية.
فالعمل يتطلب أن نكون حريصين على توفير بنية تحتية متطورة لإدارة الأعمال، وتقديم عرض مغرٍ للمستثمرين من خلال حزمة من العروض والتسهيلات التنافسية، مع أننا نملك كل المغريات من ضمنها الموقع الاستراتيجي بين آسيا وإفريقيا، والإسراع في تطبيق الدعم اللوجستي لنكون روادا في المنطقة، كما نحتاج إلى دعم وتقوية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ خطط التنمية وفي الاستثمار، هذه بعض العوامل وغيرها التي ستضمن للاقتصاد الوطني الاستدامة والازدهار ومواجهة أي أزمات.
ما زلت أتذكر لقاءات وخطابات جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ ودعواته المتكررة إلى تنويع الاقتصاد الوطني، وأيضا الاهتمام بالمواطن؛ كونه أساس التنمية والثروة الحقيقة للبلد، ونحن اليوم بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ أيَّده الله ـ نتطلع لتحقيق هذه الأهداف من خلال رؤيته المتجددة والطموحة في رؤية عمان في مصاف الدول المزدهرة صناعيا والمتطورة سياحيا والآمنة غذائيا، والمستقرة في كافة نواحي الحياة.
فنحن في حاجة لعقول تستشرف المستقبل، مع بناء وتجهيز ميناء صلالة والتوسع فيه والدقم لتكون مدينة عالمية للاستثمار الإقليمي والعالمي، وللمشروعات العملاقة والصناعات التحويلية، ومركزا للتصدير والاستيراد، وأن تكون مجهزة بكافة متطلبات رجال الأعمال، وهي الآن في طور تحقيق ذلك الأمر، بل هناك بالتأكيد حاجة للإسراع في جلب الشركات والمصانع العالمية وتقديم التسهيلات للتجار والمستثمرين من داخل السلطنة وخارجها، وإذا نجحنا في ذلك بحول الله وقوته سيكون اقتصادنا أفضل لتحقيق التطلعات المرجوة منه.
إننا نتطلع إلى رؤية بلادنا بمقوماتها الاقتصادية والسياحية والسمكية قد أصبحت قادرة على تحقيق مزيد من تحسين مستويات معيشة المواطن، وهو ما يعني الحاجة إلى كفاءات وطنية تستطيع إيجاد موارد مالية دون المساس بالوضع الاجتماعي والمالي للمواطن.
وليسهم أبناء الوطن في تنمية وطنهم، ويستفيدوا من الفرص التي يوجدها القطاع الخاص، فعلينا بتسهيل الإجراءات وتقليل الرسوم وتوسيع وتشجيع الإنتاج، وزيادة الاستثمارات وتحرير تملك الأراضي، وتحرير حركة رأس المال النقدي، وجذب الخبرات والمهارات والمهن والمبدعين، واستغلال القوى العاملة الوافدة في بعض الجوانب.
كما أن الأمر يتطلب في هذه الفترة الزمنية فتح الأنشطة الاقتصادية الكبرى، وتعظيم الأصول الموجودة واستغلالها كموانئ ومدن صناعية وحرة، ورفع الاحتكار والوكالات الدولية، فالتنافسية تشجع على الإنفاق، وهذا يزيد من معدل دوران رأس المال ويرفع الإنتاج المحلي، ومحاربة الفساد بكل أشكاله، ونستفيد من تجارب ماليزيا وفيتنام وغيرهما، فإيجاد الوظائف يتم عن طريق اقتصاد قوي ومصانع وشركات كبرى تستطيع توفير وظائف للعمانيين وغيرهم، وليس شعارات وتنظيرات وقرارات تؤثر على الشأن الاقتصادي والتجاري والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وغيرها.
ومع استمرار جائحة كورونا وآثارها الاقتصادية، نأمل أن يكون هناك نظرة للقطاع الخاص، فاعملوا لجذب المستثمرين ورجال الأعمال من خلال إعادة النظر في كيفية مساعدة الاقتصاد على النمو ومواجهة الأخطار والتقليل من الأضرار، وإقرار حزمة من التطوير والتحديث لتعزيز التعافي بشكل عام، وليس إبعادهم بقرارات مؤثرة وطاردة، ثم نندم لاحقا، يوم لا ينفع الندم، خصوصا وأن بعض المحللين والخبراء يتوقعون استمرار الجائحة لأكثر من خمس سنوات .. والله من وراء القصد.