توفي كارلوس منعم، الرئيس الأرجنتيني السابق الذي قضت سياساته الاقتصادية على التضخم المفرط خلال التسعينيات، لكنها بذرت بذور ما أصبح أكبر تخلف عن سداد الديون في التاريخ.
منعم توفى عن عمر 90 عاما، بعد أن ضعفت صحته لبعض الوقت.
وانتُخب منعم، الذي كما يشتهر بسياساته الاقتصادية يعرف أيضا بسوالفه العريضة وتبادله الأحاديث مع العارضات والمشاهير، كرئيسا في 1989 عن الحزب العدلي الأرجنتيني، وبعد أن كان محافظا سابقا لمقاطعة لا ريوخا، تولى الرئاسة قبل 6 أشهر من الموعد المقرر عندما استقال الرئيس شاغل المنصب حينها راؤول ألفونسين نتيجة أعمال الشغب والنهب وزيادات الأسعار التي كانت لتصل إلى 4900% بنهاية العام.
وبعد حملة انتخابية قامت على وعود حماية الصناعات الوطنية، فتح منعم سريعا الاقتصاد الأرجنتيني أمام رأس المال الأجنبي، وباع الشركات الحكومية بدءا من المرافق إلى خطوط الطيران، وخلال فترة رئاسته التي امتدت 10 سنوات، خضع التضخم للسيطرة، وأطلقت عملة جديدة، وتم تعديل الدستور، وحصل الدكتاتوريون المسجونون على عفو رئاسي، وألغيت الخدمة العسكرية الإجبارية، كما قلصت حكومته أيضا الخدمات الاجتماعية وتورطت في العديد من فضائح الفساد.
وقال رامون بويرتا، الذي كان محافظا لمقاطعة ميسيونس أثناء سنوات رئاسة منعم، في مقابلة في نوفمبر 2016: “يتذكر الناس صراعه مع التضخم المفرط، ولكن منعم أيضا حصل على دولة تعاني من نقص كبير في الطاقة ووضع حدا للأمر، ثم جعل الدولة مصدر كبير للبترول”.
بداية صعبة
حظيت رئاسة منعم ببداية صعبة مع وفاة أول وزير اقتصاد، ميغيل رويج، جراء أزمة قلبية بعد خمسة أيام من تولي المنصب، ثم غادر وزيران بديلان خلال العامين التاليين إلى أن تولى دومينغو كافالو الوزارة في 1991.
وبمباركة منعم، أحل كافالو البيزو محل الأسترال (austral) كعملة الأرجنتين وربطها بالدولار الأمريكي، وهذا الربط الذي صاحبه إصلاح الشركات الحكومية، أثار موجة من الاستثمار وتوسع اقتصادي خلال 1995.
وعلى خلفية الانتعاش الاقتصادي، دفع منعم بتعديلات دستورية في 1994 والتي سمحت له بالترشح لفترة ثانية في العام التالي، وأصبح أول رئيس أرجنتيني يخدم لفترتين متتاليتين كاملتين منذ الاستقلال في أوائل القرن التاسع عشر.
ومع ذلك، وقعت الدولة في ركود مجددا في عام 1999، في آخر عام من رئاسة منعم، نتيجة تسبب ربط العملة في ارتفاع أسعار البضائع الأرجنتينية وبالتالي القضاء على تنافسيتها، كما اتسع العجز المالي.
وقال بويرتا: “مشكلته الكبرى هي أنه لم يستطع سحب نفسه من السياسة النقدية التي وضعها”.وبعد عامين، تعثرت الحكومة عن سداد سندات بقيمة 95 مليار دولار، وتخلت عن ربط العملة، ما أثار فوضى سياسية واقتصادية.
المهاجرون السوريون
ولد كارلوس ساؤول منعم في 2 يوليو من عام 1930 لوالدين سوريين مهاجرين في أنيلاكو، القرية الريفية المكونة من 1500 شخص على سفح جبال الأنديز، وتمت تربيته كمسلم ولكن كرجل بالغ تحول إلى الكاثوليكية، وتدرب على المحاماة وقابل زوجته الأولى، زوليما، وهي ابنة لمهاجرين سوريين أيضا ومولدة في الأرجنتين، في زيارة إلى دمشق.
وكان طالبا يدرس التاريخ الأرجنتيني ويحب ركوب الخيل، وانتخب كمحافظ لا ريوخا في 1973 وخدم حتى الانقلاب العسكري في 1976، وخلال الحكم الديكتاتوري اللاحق، تم اعتقاله كسجين سياسي.
ومع عودة الديموقراطية في عام 1983، أعيد انتخابه مرتين كمحافظ وظل في المنصب حتى 1989 عندما فاز بالرئاسة.
“الفوز بابتسامة”
وأصبحت الدراما والمسارح جزءا من رئاسة منعم مثلما كانت سياساته، وبعد انتخابه بوقت قصير، قبل سيارة فيراري كهدية من رجل أعمال، وبعد استياء شعبي من رؤيته يقود السيارة الرياضية، تعهد بالتبرع بها، ودافع عن نفسه قائلا إن له الحق في قبول الهدية.
ومنعت زوجته زوليما من دخول القصر الرئاسي بعد طرده إياها في 1990، وبعد عام، ظهرت عشيقة منعم، ورئيس شركة الاتصالات الحكومية، ماريا جوليا ألسوغاراي، متموضعة لغلاف مجلة الأخبار الأسبوعية الرئيسية في الدولة مرتدية لا شيء سوى معطف من الفراء “وعلى وجهها ابتسامة مغرية”، كما وصفتها في ذلك الوقت الكاتبة في مجلة “نيويوركر”، ألما غيلرموبريتو.
وأشاد نظرائه السابقين بأسلوب منعم المبدع في القيادة.
وقال الرئيس البرازيلي السابق، فيرناندو أنريك كاردوسو، في مقابلة مع “بلومبرغ نيوز” في نوفمبر 2020، مقارنا الرئيس الارجنتيني بكبار لاعبي كرة القدم: “منعم كان مثل بيليه ومارادونا، يعلم كيف يلعب بقدمه ورأسه وذراعيه وكل شيء”.
مركبة فضائية
وترك منعم إرثا من البيانات الضخمة والتصريحات المثيرة للجدل بما في ذلك وعوده في عام 1996 ببناء مركبة فضائية تنقل الناس من الأرجنتين إلى اليابان خلال طبقة الستراتوسفير في 90 دقيقة.
واتسمت فترة رئاسته أيضا بالتفجير الإرهابي في بوينس آيريس للسفارة الإسرائيلية في عام 1992، ومركز الجالية اليهودية “AMIA” في 1994 والذي أسفر عن 114 قتيل، ولم يتم العثور على مرتكبي التفجير أبدا، وفي عام 2012، تم توجيه اتهام لمنعم كمشتبه به في عرقلة العدالة في تحقيقات التفجيرات.
وفي عام 2003، ترشح منعم مجددا للرئاسة، وفاز بالجولة الأولى ولكن انسحب من السباق بعدما أظهرت استطلاعات الرأي أنه سيخسر أمام نستور كيرشنر، محافظ عير معروف من منطقة باتاغونيا الذي تولت زوجته، كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، الرئاسة بعده في 2007، ورغم أنهم أتباع نفس الحزب السياسي العدلي مثل منعم، فقد انتقدوا باستمرار سياسات منعم الاقتصادية “النيوليبرالية”.
وفي عام 2013، أيدت محكمة الاستئناف إدانته بتهمة التورط في بيع أسلحة للإكوادور وكرواتيا، وباعتباره عضوا في مجلس الشيوخ، تجنب السجن بموجب قانون يمنح المشرعون حصانة قانونية.
ورزق منعم، الذي تطلق مرتين، بثلاثة أطفال، ابنة، زوليما، وابنان، كارلوس نير، وماكسيمو.