لم يفاجئ النجاح الفائق لأول صندوق مؤشرات يقوم على بتكوين مناصري العملة المشفرة، ولكن إذا لم يكونوا يعرفون صناديق المؤشرات، فربما ينبغي أن يعلموا أن هذا المجال قد يكون مذهلاً.
ولم يحدث الطرح الباهر لصندوق مؤشرات “بيربوس بتكوين” (Purpose Bitcoin ETF) -المتداول برمز “BTCC”- الذي وصلت أحجام تداولاته إلى 400 مليون دولار في يومين، في أكبر سوق صناديق مؤشرات، ولم يكن في أوروبا، حيث جمعت منتجات صناديق المؤشرات المشابهة بالفعل أصولاً بنحو 6.5 مليار دولار، وفقاً لبيانات بلومبرغ، وإنما كان في كندا حيث يبلغ حجم سوق الأسهم 8% فقط من حجم السوق الأمريكية، ويبلغ إجمالي أصول صناديق المؤشرات نحو 215 مليار دولار، أي أقلّ من أصول صندوق “سباي” (SPY) الذي يقتفي أثر مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″وحده. وقد لا تكون كندا حققت كثيراً بخلاف قطاع صناديق المؤشرات المتداولة، ولكنها رسّخت بهدوء سمعة لهذا النوع من الضربات المفاجئة.
ويقول بن جونسون، المدير العالمي لأبحاث صناديق المؤشرات في “مورنينغ ستار”: “لطالما كانت كندا رائدة في مجال تطوير منتجات صناديق المؤشرات، بدءاً من طرح أول صندوق مؤشرات على الإطلاق إلى طرح أول صندوق مؤشرات من نوعه يركز على الأدوية المخدرة مؤخراً”.
أُطلِقَ “BTCC” في بورصة تورنتو يوم الخميس، وهو أول صندوق من نوعه في أمريكا الشمالية والأول من نوعه على الإطلاق الذي يحمل تسمية صندوق مؤشرات متداولة. وبعد يوم من بدء تداوله، طُرح صندوق لمؤشرات بتكوين تابع لمجموعة “إفولف فاند” (Evolve Fund Group) تحت رمز “EBIT”، ولكن لم يحظ بأحجام تداول باهرة بنفس القدر، التي بلغت 14.5 مليون دولار.
ومثلما هو الحال في عديد من مجالات الابتكار، يمكن تحديد مَن أول من ابتكر أو أين في العالم المالي، ويتفق الأغلبية على أن صندوق “تورنتو 35 إنديكس بارتيسيبشن فاند” (Toronto 35 Index Participation fund)، أو “TIPs”، الذي طُرح في 1990 هو أول شبيه بصناديق المؤشرات الحديثة. ورغم أنه لم يتمتع بالنمو الهائل الذي شهده القطاع الأمريكي (الذي انطلق مع طرح صندوق “SPY” في 1993)، فإن سوق صناديق المؤشرات الكندية استحدثت عديداً من المنتجات التي لم تجرَّب في أماكن أخرى.
إجراءات كندية مرنة
يعود ذلك إلى البيئة التنظيمية الليبرالية الأبسط والتركيز على الابتكار. وعلى سبيل المثال، حصل صندوق “إفولف” على الموافقة التنظيمية بعد أقل من شهر من التقدم بالطلب.
ويقول سوم سيف، المدير التنفيذي لـ”بيربوس انفتسمنتس”: “أثبتت كندا أن لديها عملية تقود إلى الابتكار ونظام يسمح بذلك”.
وفي الولايات المتحدة، رفضت لجنة الأوراق المالية والبورصات طلبات عديدة لإنشاء صندوق مؤشرات يقوم على بتكوين، مستشهدة بمخاوف التلاعب بالأسعار وعدم كفاية السيولة، وهو ما ترك المستثمرين دون خيار سوى ضخ مزيد من الأموال في صندوق “غراي سكيل بتكوين تراست” (Grayscale Bitcoin Trust) أو “GBTC” ذي الهيكل الأكثر خطورة وتكلفة، والذي يُتداول عادة بعلاوات ضخمة مقارنة بقيمة الأصول الأساسية.
وقال نيت غيراسي، رئيس شركة الاستشارات “إي تي إف ستور” (ETF Store): “يبدو المشرعون الكنديون أكثر استعداداً بكثير لتبنّي الابتكارات”.
ولا يعني ذلك أن الأسواق الأمريكية فاحشة الثراء وعالية السيولة لا تبتكر، فأول هيكل من صناديق المؤشرات الجديدة والذي يخفي ممتلكاته لمنع ممارسات التداول المحظورة التي تستفيد من المعلومات مسبقاً -والتي يطلق عليها الصناديق النشطة غير الشفافة- كان في الولايات المتحدة وطُرح في أبريل 2020.
ويقول بين سلافين، مدير صناديق المؤشرات في “بنك نيويورك ميلون لإدارة الأصول”: “تفوقت علينا كندا في مجالات محددة، ولكن هناك أشياء تسبق فيها الولايات المتحدة، ولا أعمّم بالضرورة أن الولايات المتحدة متخلفة دائماً، ولكن الأمر هو أن بتكوين موضوع ساخن بشكل غير معقول وقد يكون حالة خاصة”.
مع ذلك فإن كثيراً من مراقبي القطاع قد يجادلون بأن كندا ليست حقاً الأولى في إطلاق صناديق مؤشرات بتكوين، بل أوروبا حيث عديد من تلك الصناديق ذات الهيكل المشابه تقريباً، وأكبرها يُتداوَل منذ أكثر من خمس سنوات، ولكن أدّت الاختلافات التنظيمية إلى اختلاف الأسماء فقط.