تسارع دول العالم إلى اقتناء اللقاحات ضد فيروس كورونا، لكن القارة الأفريقية لديها إشكالية عدم وجود إحصاءات دقيقة حول مدى انتشار الجائحة بين مواطنيها، ما قد يحرمها من أولوية الحصول على اللقاحات، ويعرض حياة مئات الملايين من الأفارقة للخطر.
ولفت تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، يوم الاثنين، إلى أن إحصاءات جامعة جونز هوبكنز البريطانية، توضح أن 3.7 مليون شخص أصيبوا بكورونا في أفريقيا، وأن عدد الوفيات سيصل بعد أيام قليلة إلى 100 ألف حالة وفاة.
وأوضح التقرير أن مجموعة من الدراسات أثارت الخوف من أن الإحصاءات الرسمية في أفريقيا أقل من الوضع الحقيقي، ما كان سببا في القلق تجاه القارة السمراء التي قد تكون بعيدة عن الأولوية في السباق العالمي نحو الحصول على اللقاحات، بينما هي في أمس الحاجة إليها.
وأشار التقرير إلى أن العديد من الدول الأفريقية تجد صعوبة في إجراء الاختبارات على نطاق جماهيري، للتأكد من الإصابة بكورونا، كما أنها تعاني ضعفاً في قدرتها على جمع الإحصاءات الدقيقة، حول أعداد حالات الإصابة بالمرض، وحالات الوفيات، وخاصة في المناطق النائية، بخلاف وجود عدة عوامل تعرقل الوصول لإحصاءات دقيقة؛ مثل المشكلات الاجتماعية التي يواجهها من يصاب بالمرض، ونقص المعلومات، وكذلك عدم قدرة المرضى على الوصول للمستشفيات لتلقي العلاج، أو تحمل تكاليف العلاج.
وأشار التقرير إلى ما أعلنته منظمة الصحة العالمية، بأن التركيبة الاجتماعية والبيئية في أفريقيا، والفريدة من نوعها، أدت لتقليل انتشار جائحة كورونا، ولتقليل عدد الحالات الصعبة، مقارنة بالدول الأكثر تضرراً من الجائحة، كما أن معدلات الوفاة منخفضة بشكل نسبي في أفريقيا بالمقارنة بالمناطق الأخرى.
وحذر خبير الأمراض المعدية في الكلية الملكية في لندن، أوليفر واتسون، من أن نقص الإحصاءات والمعلومات حول حقيقة الوضع في أفريقيا، يمكن أن يقوض الجهود الرامية لتوفير اللقاحات للسكان بشكل عادل، فالبعض قد يقول إن الوضع ليس ملحاً وخطيراً في أفريقيا، وبالتالي تذهب اللقاحات أولاً إلى الدول التي لديها إحصاءات تشير إلى خطورة الوضع بها.
السودان وزامبيا
وضرب التقرير مثلاً بالأوضاع في السودان، حيث أوضحت دراسة أجراها العلماء حول الاستجابة لمرضى كورونا، أنه لا يتم الإبلاغ إلا عن نحو 2% فقط من حالات الوفاة بسبب كورونا في العاصمة السودانية الخرطوم، خلال أكثر من عام تقريباً، ونتيجة لذلك فإن التقديرات تشير إلى أن عدد الوفيات بسبب المرض تصل إلى نحو 16 ألف حالة وفاة، حتى شهر نوفمبر الماضي، بينما تشير الإحصاءات الرسمية السودانية إلى أن عدد حالات الإصابة بالمرض أقل من 30 ألف حالة، وعدد حالات الوفاة يبلغ 1849 حالة وفاة فقط.
كما أشارت رابطة أطباء بريطانيا والسودان، إلى الاعتقاد بوفاة 40 طبيباً بسبب كورونا، خلال الفترة ما بين شهري مارس ويناير الماضي، بينما نجد أنه بداية من 6 فبراير الجاري، تم إجراء اختبارات على 1107 من الأطقم الطبية، وثبت إصابة 76% منهم بالمرض.
كما أشارت دراسة لكلية بوسطن للصحة العامة في زامبيا، إلى أن قلة انتشار المرض في الدول الأفريقية، ربما يكون سببه نقص الاختبارات، بينما تشير الحقيقة إلى أن الجائحة تسير بشكل رهيب، لكنه غير مرئي، عبر القارة الأفريقية.
وأوضحت الدراسة أن نحو 15% من حالات الوفاة والذين وصلت جثامينهم إلى المشرحة الرئيسية في العاصمة لوساكا، خلال فصل الصيف، ثبت أنهم كانوا مصابين بالمرض، ورغم ظهور الأعراض على أغلبهم، إلا أن القليل منهم أجروا الاختبارات قبل وفاتهم.
ويقول أحد المشاركين في تلك الدراسة، لوارنس موانانياندا «تلقي النتائج التي توصلنا إليها الشكوك حول صحة الاعتقاد، بأن جائحة كورونا لم تصب القارة السمراء بقوة، ودراستنا تظهر أنه من خلال الاختبارات والتشخيص الصحيح للمرض، يمكن فقط أن نتعرف على حجم الجائحة في الدول الأفريقية مثل زامبيا».
ولفت التقرير إلى الزيادة الكبيرة في أرقام الوفيات في جنوب أفريقيا، بزيادة نحو 137 ألف حالة وفاة، منذ شهر مايو الماضي، ويمكن أن يكون سبب تلك الوفيات هو فيروس كورونا، بينما لا تشير الإحصاءات الرسمية إلا لوجود 47382 حالة وفاة فقط بسبب كورونا.
وأشار التقرير إلى الأوضاع في كينيا، فبنهاية شهر يوليو الماضي لم تسجل الإحصاءات الرسمية إلا 341 حالة وفاة بسبب كورونا، بينما كان هناك واحد من بين كل 25 من المتبرعين بالدماء، مصابين بالفيروس.
وتطرق التقرير إلى تنزانيا، التي لم تعلن أي حالات إصابة جديدة منذ شهر أبريل الماضي، وقبلها كان عدد الإصابات 509 حالات، بينما أعلنت السفارة الأمريكية في دار السلام يوم الخميس الماضي، أن هناك زيادة ملحوظة في أعداد المصابين بكورونا منذ يناير الماضي.
وأشار التقرير إلى أن الإحصاءات الرسمية في زيمبابوي لا تسجل إلا 35 ألف حالة إصابة، و1364 حالة وفاة، بينما تشير الأدلة إلى أن الأرقام أكبر من ذلك بكثير، حيث يشير عمال المقابر إلى وجود زيادة كبيرة في أعداد المتوفين، وقال أحدهم «نحفر 6 قبور في اليوم الواحد، وهو معدل يزيد بثلاثة أضعاف عما كان الوضع عليه في السابق».
وذكر التقرير أن عدداً قليلاً من الدول الأفريقية، ستتمكن من تطعيم العاملين في المجال الصحي خلال الأشهر القليلة القادمة، بينما ستحتاج إلى عدة سنوات لإكمال تطعيم كل السكان، الأمر الذي يترك حياة مئات الملايين من الأفارقة عرضة للخطر.
وتطرق التقرير إلى نقص الإمكانات الطبية والصحية في الدول الأفريقية، حيث تكافح المنشآت الصحية للتعامل مع الموجة الثانية من الجائحة، في معظم دول القارة، خاصة مع ظهور سلالات جديدة من كورونا، في حين أبلغ ثلثا الدول الأفريقية التي شملتها دراسة منظمة الصحة العالمية، وعددها 21 دولة، أنها تواجه عجزاً في وحدات العناية المكثفة، ونقصاً في توفير الأوكسجين خلال الأشهر الأخيرة.