إذا عُرف السبب، بطُل العجب..
“دون كلل أو ملل” تدور النقاشات نفسها في كل مرة يتم الإعلان بها عن قائمة المنتخب المغربي قبل أي معسكر منذ تولي المدرب الوطني وليد الركراكي زمام الأمور..
أزعم أن أول شيء “البعض” يفعله بمجرد إعلان القائمة هو النزول سريعًا لفئة المهاجمين لرؤية ما إذا كان “رأس الأفوكادو” قد وجه الدعوة للمهاجم يوسف النصيري أم لا، وبعدها تُفتح أبواب الجحيم من قبلهم على المدرب واللاعب، فالأخير لم يغب عن أي معسكر يقوده الركراكي!
وبالتزامن مع “حجيم” النصيري، تبدأ على الجهة الأخرى رحلة “لا نهاية” لها مع سؤال: “أين عبدالرزاق حمدالله؟!”.
الحال نفسه ينطبق على معسكر مارس الحالي، الذي يخوض به أسود الأطلس وديتين أمام أنجولا وموريتانيا يومي 22 و26، استعدادًا للتصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم 2026؛ فالنصيري رفقة الأسود وحمدالله قابع في منزله في انتظار انتهاء التوقف الدولي، للعودة للانخراط مع العميد في دوري روشن السعودي.
وقبل الخوض أكثر في هذا النقاش المتكرر، لنستعرض أولًا ماذا قدم النصيري وحمدالله مع فرقهم في الموسم الجاري..
ماذا قدم النصيري في الموسم الجاري مع أشبيلية؟
صاحب الـ26 عامًا هو هداف أشبيلية في الدوري الإسباني برصيد عشرة أهداف خلال 24 مباراة في وقت 7.08 هي نسبة الأهداف المتوقعة منه وفقًا للفرص التي أتيحت له.
هذا بخلاف صناعته لهدف آخر، وخلقه لثماني فرص لزملائه، لم تترجم لأهداف، منها فرصتين محققتين، مقابل إهداره هو لتسع فرص محققة.
أما عن التسديدات، فقد سدد 50 مرة، منها 22 على المرمى، والملاحظ أن 50% من تسديدات من ضربات رأسية، نجح من خلالها في هز الشباك ثلاث مرات.
وبالانتقال للمراوغات فهي النسبة الأضعف في إحصائيته بواقع 25.93%، و43.6% نسبة نجاحه في الثنائيات.
من ناحية المساندة الدفاعية، فينجح النصيري بنسبة 77.78% في تدخلات، وشتت الكرة من مناطق الخطورة 14 مرة.
ماذا قدم حمدالله في الموسم الجاري مع الاتحاد؟
صاحب الـ33 عامًا أحرز 17 هدفًا خلال 19 مباراة خاضها مع العميد بالموسم الجاري من دوري روشن، بينما كانت الأهداف المتوقعة منه 13.45، فيما أهدر 14 فرصة محققة.
على الجانب الآخر، صنع “الساطي” هدفين لزملائه، وخلق 20 فرصة أخرى، منها ثلاث محققة، لكن لم يستغلها فريقه لهز شباك الخصوم.
على مستوى التسديدات، سدد حمدالله 58 تسديدة، منها 28 على المرمى، تتضمن عشر تسديدات رأسية، أحرز منها هدفين.
أما المراوغات، فنجاح عبدالرزاق بها نسبته 41.67%، ويتفوق في الثنائيات بنسبة 66.67%.
على الجانب الدفاعي، فقد نجح في التدخلات بنسبة 66.67%، وشتت الكرة من مناطق الخطورة أربع مرات.
شيئان فقط يمنحان الأفضلية للنصيري
بالنظر للأرقام أعلاه، فحمدالله يتفوق في كافة الجوانب الهجومية على النصيري، باستثناء تفوق الأخير في الرأسيات.
وهنا علينا وضع في الاعتبار الفارق الكبير بين الدوري الإسباني والدوري السعودي، فرغم أن أشبيلية يقبع في المركز الـ16 بالليجا إلا أن ستة أهداف فقط تفصل المغربي عن صاحب المركز الأول – حتى الآن – الإنجليزي جود بيلينجهام؛ نجم ريال مدريد.
لكن على الجانب الدفاعي، فالأفضلية واضحة لمهاجم أشبيلية، إذ يقدم المساندة للاعبي الوسط وخط الظهر.
إذًا .. لماذا يفضل الركراكي حمدالله على النصيري؟
مهاجم الاتحاد تحديدًا هو مسار جدل كبير في الكرة المغربية بشكل عام في السنوات الأخيرة؛ ما بين استبعادات متكررة من المنتخبات الوطنية، لصلح في عهد الفرنسي هيرفي رينارد لم يدم طويلًا، ثم العودة لانقلاب ضارٍ في عهد البوسني وحيد خليلودجيتش، وأخيرًا حالة “الاضطراب” في العهد الحالي.
“رأس الأفوكادو” استدعى الساطي في أربع معسكرات قادها، بدايةً من كأس العالم قطر 2022، ثم معسكرات مارس، يونيو وسبتمبر 2023، ومن بعدها لم يأت ذكر اسمه في أي معسكر على مدار الشهور الأخيرة.
هناك من اتهم الركراكي بمحاباة اللاعبين المحترفين في أوروبا، لكن اتهامهم مردود عليه، فماذا عن يحيى عطية الله على سبيل المثال؟
وآخرون ادعوا أنه يجامل النصيري تحديدًا كونه ابن أكاديمية “محمد السادس”، فهؤلاء لا رد عليهم!
أما إن نزلنا لأرض الواقع، فإذا عُرف السبب بطُل العجب..
فالسبب الجلي وراء ذلك، ربما أعلنه الركراكي صراحةً من قبل؛ هو ما يتفوق عليه النصيري به، قائلًا في تصريحات سابقة خلال إحدى مؤتمراته الصحفية: “طوال مسيرتي كمدرب من الفتح وحتى الوداد لم أعتمد على مهاجم صريح، كنت أعتمد على بن جلون وربحنا بطولة به، حمد الله لم يعجبني مهما شاهدت مباريات له، خاصةً أنه لا يرجع للخلف لمعاونة زملائه”.
نعم! هو الجانب الدفاعي، خاصةً وأن المنتخب المغربي يعتمد على الطرق الدفاعية بشكل كبير مهما كان خصمه.
هذه هي قناعات وليد، رغم أن حمدالله تطور في الجانب الدفاعي – إلى حد ما – منذ الموسم الماضي في ظل اعتماد العميد على طريقة دفاعية بحتة تحت قيادة مدربه السابق البرتغالي نونو سانتو.
وهنا يمكنني أن أزيدكم من البيت شعرًا، أزعم أن الجانب النفسي يلعب دورًا مهمًا جدًا في اختيارات الركراكي؛ المدرب الذي دخل كان 2023 بنفس المجموعة التي خاض بها مونديال قطر 2022 رغم اختلاف الكثير من الأشياء في الفترة الزمنية بين نهاية الأولى وبداية الثانية، لكن ربما العواطف دفعته للاختيارات نفسها أو إلى حد كبير دفعته لذلك على الأقل!
لا نعلم تحديدًا أي جانب نفسي يبعده عن حمدالله، لكن هو حاول بالفعل في أربع معسكرات، والملاحظ وقتها أن الساطي كان متراجعًا عن حالة الانفجار التي يعيشها حاليًا، ورغم ذلك قام باستدعائه مانحًا الفرصة لنفسه وله للانخراط في المجموعة.
ربما يكون الضغط الإعلامي والجماهيري بشأن مهاجم العميد يدفعه للعناد أو قد يكون مثله مثل الكثير من المغاربة لم ينجحوا بعد في تخطي موقفه المخزي قبل كأس أمم إفريقيا مصر 2019 وقتما غادر المعسكر بداعي “أسباب نفسية” وخلافات بينه وبين زملائه، ولا نستبعد عامل السن ورغبته في الاعتماد على أسماء أصغر تجهيزًا لكان 2025 ومونديال 2026.
الأكيد في كل ذلك أن جدال “النصيري أم حمدالله؟” يجب أن ينتهي، يمكنكم أن تطالبوا الركراكي بأي مهاجم آخر بعيدًا هذا أو ذاك، لكن تلك المقارنة لن تنجح سواء فنيًا أو نفسيًا مع “رأس الأفوكادو”، على الأقل عليكم إغلاق ملف “الساطي” الذي لا يسمن ولا يغني من جوع بالنسبة لفكر وليد!