البنوك الرقمية تفرض نفسها

لفترة طويلة، تسامح المستهلكون مع النقص في التكنولوجيا المتطورة عند البنوك التقليدية، لكن مع الصعود الكبير للتكنولوجيا المالية (فينتك)، تكافح البنوك لمواكبة وتقديم الابتكار الذي يتوق إليه للعملاء. والسؤال: هل ستدخل المصارف الرقمية وشركات التكنولوجيا المالية في مواجهة مع البنوك التقليدية؟ أم يمكنهما توحيد الجهود لبناء الخدمات المالية التي يبحث عنها المستهلك المعاصر؟

وفقا لشركة ستاتيستا للبيانات، تضاعف عدد شركات التكنولوجيا المالية في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا ثلاث مرات تقريبا خلال الفترة من 2018 إلى 2021. وفي عام 2018 وحده، تم استثمار ما مجموعه 254 مليار دولار على مستوى العالم في ما يقرب من 18 ألف شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية من خلال صناديق رأس المال الاستثماري.

وفقا لماكينزي، خلال الأشهر القليلة الأولى من الجائحة، زاد استخدام القنوات المصرفية عبر الهاتف المحمول بنسبة %20 إلى %50، ومن المتوقع أن يظل على هذا النحو حتى بعد انتهاء الجائحة.

وتشير دراسة أخرى من ماكينزي إلى أن المستهلكين يطالبون بمرونة أكثر عندما يتعلق الأمر بالخدمات المصرفية الرقمية، ويفضل %71 منهم التفاعلات متعددة القنوات و%25 يريدون خدمة مصرفية خاصة رقمية بالكامل مع توفير المساعدة البشرية عن بعد عند الحاجة.

ومن أجل تلبية طلب العملاء على السرعة والكفاءة وتجربة مستخدم أفضل، يتعين على مقدمي الخدمات المالية دمج التكنولوجيا في خدماتهم. وسيمكنهم ذلك من تقديم ما أصبح المستهلكون يتوقعونه وهي تجربة خالية من الاحتكاك، فإذا سمحت شركات البيع بالتجزئة العملاقة، مثل أمازون للعملاء بإكمال عملية شراء في ثوان، فلا ينبغي أن يتطلب الأمر اجتماعا وجها لوجه لفتح حساب مصرفي جديد.

وتعمل المصارف الرقمية والتكنولوجيا المالية على سد الفجوة بين ما تقدمه البنوك التقليدية وما يتوقعه المستهلك الحديث، إذ شهدت الصناعة نموا هائلا. فبحسب شركة بيزنيس ريسيرتش، بلغت قيمة سوق التكنولوجيا المالية العالمية حوالي 127.6 مليار دولار في عام 2018، ومن المتوقع أن تنمو إلى 309.9 مليارات دولار بمعدل نمو سنوي يقارب %25 حتى عام 2022.

فريق واحد

تعتبر التكنولوجيا المالية مستقبل المؤسسات المصرفية والمالية، ولهذا السبب ليس من المستغرب أن تجمع أكبر 50 شركة في مجال التكنولوجيا المالية في أوروبا أكثر من 16.8 مليار دولار في جولات تمويل رأس المال الاستثماري وتم تقييمها بشكل جماعي بأكثر من 92 مليار دولار.

البنوك التقليدية تطورت بشكل كبير في طريقة عملها بفضل تقنيات العصر الجديد بما في ذلك التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي والتحليلات. وبدأت البنوك أيضا في الاستحواذ على شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية لإضافتها إلى خدماتها.

المنافسة شديدة، لذا ستزدهر بعض شركات التكنولوجيا المالية بينما قد تكافح شركات أخرى للبقاء واقفة على قدميها. ولكن هذا يمثل فرصة للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية والبنوك التقليدية للعمل كفريق واحد والتكيف بسرعة مع العالم الرقمي الجديد.

التخلف عن الركب

تهدف كل من التكنولوجيا المالية والمصارف التقليدية إلى تقديم خدمات مالية سلسة للمستهلكين، وهو التشابه الوحيد بينهما، إذ تعتبر المصارف الرقمية والتكنولوجيا المالية من أكبر المنافسين للبنوك.

ويتكون النظام المالي الذي تستخدمه البنوك اليوم من بعض الممارسات والإجراءات التقليدية والقديمة للغاية، وغالبا ما تستغرق وقتا طويلا. ومع استمرار تحول طلبات المستهلكين إلى الرغبة في الأشياء بشكل أسرع وأسهل، يبحث الناس عن حل مالي يلبي احتياجاتهم.

وعندما يتعلق الأمر بالابتكار والتقدم، فإن البنوك التقليدية تتخلف عن الركب، وتتقدم التكنولوجيا المالية في هذا المجال كثيرا. قد يكون للتكنولوجيا المالية حصة صغيرة في النظام المصرفي العالمي، لكن المستهلكين يختارون بشكل متزايد استخدامها كبديل للبنوك.

وفقا لستاتيستا، خلال عامي 2015 و2019، نما اعتماد المستهلكين علي شركات ومنتجات التكنولوجيا المالية بسرعة في جميع أنحاء العالم. وبحلول عام 2019، بدأ %75 من المستهلكين على مستوى العالم في استخدام شكل من أشكال تحويل الأموال أو خدمة الدفع.

4 اختلافات جذرية

يمكن تقسيم الاختلافات بين البنوك المالية والتقليدية إلى أربع فئات:

1 – طريقة ممارسة الأعمال

تستخدم المصارف الرقمية والشركات التكنولوجيا المالية نماذج تشغيل بسيطة خالية من مشكلات النظام القديم، حيث يمكنها أن تقدم منتجات وخدمات تقل تكلفتها عن البنوك التقليدية بمقدار 10 مرات، في ظل أن النظم القديمة والإطار التنظيمي الذي تستخدمه البنوك يحد من قدرتها على الاستفادة من التكنولوجا الجديدة في الوقت المناسب.

2 – اللوائح

يتم تنظيم كل مؤسسة مالية بطريقة أو بأخرى لجعل استخدامها آمناً للناس. لكن التكنولوجيا المالية بشكل عام أكثر تساهلاً ومرونة، والبنوك أكثر صرامة لأنها لا تملك جهة تنظيمية معينة. ودون تنظيم صارم، يمكن لهذه الشركات أن تحدث تغييرات في أعمالها والقيام بما تريد دون إرشادات صارمة. في وقت يتم تنظيم البنوك من قبل البنوك المركزية في بلدها الأصلي، وتطلب الهيئات التنظيمية من البنوك الالتزام بالمتطلبات والقيود والإرشادات القانونية الموضوعة لحماية أموال موظفيها.

3 – إمكانات النمو

تتوقع مجلة فينتك أن يكون العام الحالي متعلقاً بالراحة والشمول والاستدامة، الأمر الذي سيؤدي إلى نمو التقنيات المالية هذا العام وفي المستقبل. وهذا لا يعني أن البنوك سوف تفلت من أيدينا، إذ حافظت البنوك التقليدية على حصتها في السوق.

4 – عوامل الخطر

في حين قد تكون التكنولوجيا المالية أكثر خطورة، إلا أن فوائدها تفوق المخاطر. ونظرا للطبيعة المرنة للوائح التكنولوجيا المالية، تعتبر الصناعة أكثر خطورة. بالمقارنة تؤدي اللوائح الأكثر صرامة في البنوك التلقليدية إلى انخفاض المخاطر، الأمر الذي يجعلها الخيار الأقل خطورة.

التعاون معاً

لا يمكننا أن نتوقع أن يتحول الناس تماماً عن البنوك إلى المصارف الرقمية وشركات التكنولوجيا المالية. لكن إذا تمكنت التكنولوجيا المالية والبنوك من التعاون معاً، فسيكون لكليهما تأثير أكبر، إذ ستستفيد البنوك التقليدية من ابتكار وسرعة التكنولوجيا المالية. في حين أن البنوك التقليدية ستعزز الثقة في شركات التكنولوجيا المالية بسبب عقود زمنية طويلة من ولاء العملاء وحجم الأعمال وشبكة أعمال راسخة.